فضل الدعاء (تحفة الذاكرين)

 فضل الدعاء
قال صلى الله عليه وسلم الدعاء وهو العبادة ثم تلا قوله تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي الآية حب مص ع الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مصنفه وأهل السنن الأربع كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وصححه الترمذي وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وأخرج

الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة قوله الدعاء هو العبادة هذه الصفة المقتضية للحصر من جهة تعريف المسند إليه ومن جهة تعريف المسند ومن جهة ضمير الفصل تقتضي أن الدعاء هو أعلى أنواع العبادة وأرفعها وأشرفها وإلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة والآية الكريمة قد دلت على أن الدعاء من العبادة فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه ثم قال إن الذين يستكبرون عن عبادتي فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار ولا اقبح من هذا الاستكبار وكيف يستكبر العبد عن دعاء من هو خالق له ورازقه وموجده من العدم وخالق العالم كله ورازقه ومحييه ومميتة ومثيبة ومعاقبة فلا شك أن هذا الاستكبار طرف من الجنون وشعبة من كفران النعم من فتح له باب في الدعاء منكم فتحت له أبواب الإجابة مص الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأخرجه أيضا من حديثه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد وقال المنذري في الترغيب والترهيب بعد أن عزاه إلى الترمذي والحاكم أنه رواه كلاهما من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وهو ذاهب الحديث عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وقال الترمذي حديث غريب ولفظ الحديث عند هؤلاء من فتح له باب في الدعاء منكم فتحت له أبواب الرحمة وما يسأل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية وأخرجه ابن مردويه بلفظ فتحت له أبواب الجنة قوله من فتح له باب في الدعاء منكم لعل المراد والله أعلم أن من فتح الله له بالإقبال على الدعاء بخشوع وخضوع وتضرع وتذلل كان هذا الفتح سببا لإجابة

دعائه ولهذا قال فتحت له أبواب الإجابة وهكذا قوله في الرواية الثانية فتحت له أبواب الرحمة فإن فتح أبواب الرحمة دليل على إجابة دعائه وهكذا قوله في الرواية الثالثة فتحت له أبواب الجنة فإن العبد إذا وجد من نفسه النشاط إلى الدعاء والإقبال عليه فليستكثر منه فإنه مجاب وتقضي حاجته بفضل الله ورحمته لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر ت حب الحديث أخرجه الترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث سلمان رضي الله عنه وصححه ابن حبان وأخرجه أيضا الحاكم وصححه وقال الترمذي حسن غريب ولم يصححه لأن في إسناده أبا مودود البصري واسمه فضة قال أبو حاتم ضعيف وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والضياء في المختارة ومثله حديث ثوبان الذي أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه بلفظ لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه قوله لا يرد القضاء إلا الدعاء فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة ويؤيد ذلك قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وهذه المسألة هي من المعارك لاختلاف الأدلة فيها من الكتاب والسنة وقد أفردناها برسالة قوله ولا يزيد في العمر إلا البر فيه دليل أن ما يصدق عليه البر على العموم يزيد في العمر وقد ثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر والمراد الزيادة الحقيقية وقيل المراد البركة في العمر والظاهر الأول ومنه قوله سبحانه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الآية وقوله ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده وتحقيق البحث عن هذا يطول وقد أودعناه في الرسالة التي أشرنا إليها قريبا

لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعا فيعتلجان إلى يوم القيامة مس ز الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عائشة رضي الله عنها وأخرجه أيضا من حديثها الطبراني في الأوسط والخطيب وقال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي وابن حجر في التلخيص بان زكريا بن منصور أحد رجاله وهو مجمع على ضعفه وقال في الميزان ضعفه ابن معين ووهاه أبو زرعة وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأسط ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد أسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة قوله لا يغني حذر من قدر فيه دليل أن الحذر لا يغني عن صاحبه شيئا من القدر المكتوب عليه ولكنه ينفع من ذلك الدعاء ولذلك عقبه صلى الله عليه وسلم بقوله والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وأكد ذلك بقوله أن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة ومعنى يعتلجان يتصارعان ويتدافعان بحث نفيس في كون الدعاء يرد القضاء والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل فقد يقضي بشيء على عبده قضاء مقيدا بأن لا يدعوه فإن دعاه إندفع عنه وتحقيق البحث عن هذا يرجع إلى ما ذكرناه في شرح الحديث الذي قبله وفي الرسالة التي أشرنا إليها ما يدفع الإشكال ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ت حب الحديث أخرجه الترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عائشة رضي الله عنها وقد أخرجه أيضا أحمد في المسند والبخاري

في التاريخ والترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حبان حديث صحيح وقال الترمذي حسن غريب وإنما لم يصححه لأن في إسناده عنده عمران القطان ضعفه النسائي وأبو داود ومشاه أحمد وقال ابن القطان رواته كلهم ثقات إلا عمران وفيه خلاف قوله ليس شيء أكرم على الله من الدعاء قيل وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله تعالى وعجز الداعي والأولى أن يقال أن الدعاء لما كان هو العبادة وكان مخ العبادة كما تقدم كان أكرم على الله من هذه الحيثية لأن العبادة هي التي خلق الله سبحانه الخلق لها كما قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون قال الطيبي ولا منافاة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم لأن كل شيء شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم قال تعالى وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج أي كريم من لم يسأل الله يغضب عليه ت من لم يدع الله غضب عليه مص الحديث أخرجه باللفظ الأول الترمذي والثاني ابن أبي شيبة في المصنف كما قال المصنف رحمه الله وكلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرج اللفظ الأول الحاكم وأخرج أيضا اللفظ الثاني الحاكم في المستدرك وصححه وتصحيح أحد اللفظين تصحيح للآخر لأنهما بمعنى واحد ومن حديث صحابي واحد وفيهما دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات وأعظم المفروضات لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه وقد انضم إلى هذا الأوامر القرآنية ومنها قوله تعالى ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقوله واسألوا الله من فضله وقد قدمنا أن قوله سبحانه إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين يدل على أن ترك دعاء العبد لربه من الإستكبار وتجنب ذلك واجب لا شك فيه ومما يؤيد ذلك قوله عز وجل أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء فإن هذا الاستفهام هو للتقريع والتوبيخ لمن ترك دعاء ربه ومن هذا قوله تعالى وإذا سألك عبادي

عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فإن هذا التعليل بالقرب ثم الوعد بعده بالإجابة يقطع كل معذرة ويدفع كل تعلة لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد حب الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه وقد أخرجه أيضا من حديثه الحاكم في المستدرك والضياء في المختارة فهؤلاء ثلاثة أئمة صححوا الحديث ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد والضياء في المختارة وما ذكره فيها فهو صحيح عنده وإذا عرفت هذا فلا وجه لتعقب الذهبي للحاكم في تصحيحه لأن غاية ما قاله أن في إسناده عمر بن محمد الأسلمي وأنه لا يعرفه وعدم معرفته له لا تستلزم عدم معرفة غيره له نعم قال الذهبي في الميزان حاكيا عن أبي حاتم أنه مجهول وهذا قادح صحيح ولهذا قال ابن حجر في لسان الميزان وقد تساهل الحاكم في تصحيحه ولكن لا يخفاك أن تصحيح ابن حبان والضياء يكفي ولا يحتاج معه إلى غيره وعلى تقدير ان في إسنادهما هذا الرجل الذي قيل أنه مجهول فمعلوم أنهما لا يصححان الحديث المروي من طريقه إلا وقد عرفاه وعرفا صحة ما رواه ومن علم حجة على من لم يعلم وليسا ممن يظن به التساهل في التصحيح قوله لا تعجزو الخ فيه النهي عن أن يعجز الإنسان عن دعاء ربه فإن ضرر ذلك لاحق به وعائد عليه وما أحسن ما علل به صلى الله عليه وسلم هذا النهي بقوله فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد فإن هذه المزية يهتز لها كل طالب للخير وينشط بسببها كل عارف بمعاني الكلام ولا سيما مع ما مر إن الدعاء يرد القضاء ويدفع القدر من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ت الحديث أخرجه الترمذي كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي

هريرة رضي الله عنه قال الترمذي بعد أن أخرجه حديث غريب وأخرجه أيضا الحاكم من حديثه في المستدرك وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي وأخرجه الحاكم أيضا في المستدرك من حديث سلمان رضي الله عنه وقال صحيح الإسناد قوله والكرب بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة وهي ما يأخذ النفس من الغم قوله فليكثر الدعاء في الرخاء أي في حال الصحة والرفاهية والأمن من المخاوف والسلامه من المحن قال الحلبي المراد بهذا الدعاء في الرخاء هو دعاء الشفاء والشكر والاعتراف بالمنن وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد والاستغفار لعوارض التقصير فإن العبد وإن أجتهد لم يعرف ما عليه من حقوق بالله بتمامها ومن غفل عن ذلك فلا حظ له وكان ممن صدق عليه قوله تعالى فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون انتهى والأولى أن يقال كان ممن صدق عليه قوله تعالى وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل الآية وقوله تعالى في الآية الأخرى وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض وقوله تعالى وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض مس الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الحاكم صحيح الإسناد وأخرجه أبو يعلى من حديث علي رضي الله عنه بهذا اللفظ وأخرج أبو يعلى من حديث جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم تدعون الله في ليلكم ونهاركم فإن الدعاء سلاح المؤمن قوله الدعاء سلاح المؤمن فيه تشبيه الدعاء بالسلاح الذي يقاتل به صاحبه العدو فإن هذا الداعي كأنه بالدعاء يقاتل ما يعتوره من المصائب وما يخشاه من سوء العواقب وما أفخم

الحكم على الدعاء بأنه عماد الدين وبأنه نور
السموات والأرض فإن ذلك قد اشتمل على تعظيم لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه والعاجز من عجز عن لبس هذا السلاح وترك الاعتماد على هذا العماد ولم ينتفع بهذا النور الذي أنارت به السموات والأرض ما من مسلم ينصب وجهه لله في مسئلة إلا أعطاه إياها إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له ا مس الحديث أخرجه أحمد والحاكم في المستدرك كما قال المصنف رحمه الله وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال المنذري في الترغيب والترهيب رواه أحمد بإسناد لا بأس به وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد ويشهد لمعناه ما أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى قال المنذري بأسانيد جيدة وأخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين من حديث سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين وأخرج الحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يده ثم لا يضع فيها خيرا وفي الحديث دليل على أن دعاء المسلم لا يهمل بل يعطى ما سأله إما معجلا وإما مؤجلا تفضلا من الله عز وجل


شكرا لك ولمرورك