الباب الأول في فضل الذكر (تحفة الذاكرين)

الباب الأول في فضل الذكر والدعاء والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وآداب ذلك
فضل الذكر
قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منه خ م الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وتمامه فإن اقترب إلي شبرا اقتربت منه

ذراعا وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة وأخرجه أيضا من حديثه الترمذي وأخرجه أحمد في المسند من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه أيضا ابن شاهين في الترغيب في الذكر من حديث ابن عباس بلفظ ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ أفضل منهم وأكرم وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا وإن مشيت إلي هرولت إليك وفي إسناده معمر بن زائدة قال العقيلي لا يتابع على حديثه وأخرجه أيضا أبو داود الطيالسي وأحمد في المسند من حديث أنس أيضا بلفظ إذا تقرب مني عبدي شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ومن حديث قتادة أيضا وأخرجه بهذا الإسناد البخاري من حديث قتادة عن أنس ومن حديث التميمي عنه أيضا وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي ذر رضي الله عنه بلفظ ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة وأخرج البخاري تعليقا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقول أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه قوله قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فيه ترغيب من الله عز وجل لعباده بتحسين ظنونهم وأنه يعاملهم على حسبها فمن ظن به خيرا أفاض عليه جزيل خيراته وأسبل عليه جميل تفضلاته ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ عطياته ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى له هكذا وهذا هو معنى كونه سبحانه وتعالى عند ظن عبده فعلى العبد أن يكون حسن الظن بربه في جميع حالاته ويستعين على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدالة على سعة رحمة الله سبحانه وتعالى كحديث أبي هريرة في الصحيحين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله أمر الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية

غلبت غضبي وكحديثه أيضا في الصحيحين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والأنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولده وأخر الله تسعا وتسعين رحمه يرحم بها عباده يوم القيامة وكحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذ وجدت صبيا في السبي فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أترون هذه طارحة ولدها في النار فقلنا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال الله أرحم بعباده من هذه بولدها ومثل هذا ما أخرجه أبو داود عن بعض الصحابة قال بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل عليه كساء وفي يده شيء قد التف عليه فقال يا رسول الله مررت بغيضة شجر فيها أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي فجاءت أمهن فدارت على رأسي فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتهن بكسائي فهن أولاء معي فقال ضعهن فوضعتهن فأبت أمهن إلا لزومهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون لرحم أم الأفراخ بفراخها فوالذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن فرجع بهن ومن هذا القبيل ما ورد فيمن قال لا إله إلا الله وهي أحاديث صحيحة كثيرة وفي الباب أحاديث لا يتسع لها إلا مؤلف مستقل ويغنى عن الجميع ما أخبرنا به الرب سبحانه وتعالى في كتابه من أن رحمتي وسعت كل شيء ومن أنه كتب على نفسه الرحمة فإن هذا وعد من الله عز وجل وهو لا يخلف على خلقه الوعد وخير منه لعباده وهو صادق المقال على كل حال

دعاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله وما أحسن ما كان يدعو به الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله فإنه كان يقول يا من وسعت رحمته كل شيء أنا شيء فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين وقلت أنا يا من كتب على نفسه الرحمة لعباده إني من عبادك فارحمني يا أرحم الراحمين قوله وأنا معه إذا ذكرني فيه تصريح بأن الله سبحانه وتعالى مع عباده عند ذكرهم له ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته ويمده بتوفيقه وتسديده فإن قلت هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى وهو معكم أين ما كنتم وقوله جل ذكره ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية قلت هذه معية عامة وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الإكرام له والتفضل عليه ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في الكتاب العزيز من كونه مع الصابرين وكونه مع الذين اتقوا وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة ومثل هذا ما قيل من أن ذكر الخاص بعد العام يدل على أن للخاص مزية اقتضت ذكره على الخصوص بعد دخوله تحت العموم قوله فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي يحتمل أن يريد سبحانه وتعالى أن العبد إذا ذكره ذكرا قلبيا غير شفاهي أثابه ثوابا مخفيا عن عباده وأعطاه عطاء لا يطلع عليه غيره ويحتمل أن يريد الذكر الشفاهي على جهة السر دون الجهر وأن الله سبحانه وتعالى يجعل ثواب هذا الذكر الإسراري ثوابا مستورا لا يطلع عليه أحد ويدل على هذا الاحتمال الثاني قوله وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه فإنه يدل على أن العبد قد جهر بذكره سبحانه وتعالى بين ذلك الملأ الذي هو فيهم فيقابله الاسرار بالذكر باللسان لا مجرد الذكر القلبي فانه لا يقابل الذكر الجهري بل يقابل مطلق الذكر اللساني أعم من أن يكون سرا أو جهرا

ومعنى قوله سبحانه وتعالى ذكرته في ملأ خير منه أن الله يجعل ثواب ذلك الذكر بمرأى ومسمع من ملائكته أو يذكره عندهم بما يعظم به شأنه ويرتفع به مكانه ولا مانع من أن يجمع بين الأمرين وفي قوله ذكرته في نفسي مشاكلة كما في قوله عز وجل تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك وقد حقق ذلك أهل علم البيان وإنما يحتاج إلى هذا إذا أريد بالنفس معنى من معانيها لا يجوز إطلاقه على الرب سبحانه وتعالى وأما إذا أريد بها الذات فلا حاجة إلى القول بالمشاكلة وكما جاءت السنة بفضائل الذكر والترغيب إليه وعظم الأجر عليه كذلك جاء مثل ذلك في الكتاب العزيز قال الله سبحانه وتعالى ولذكر الله أكبر أي أكبر مما سواه من الأعمال الصالحة وقال سبحانه وتعالى فاذكروني أذكركم وقال سبحانه وتعالى واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وقال سبحانه وتعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة الخ وغيرها من الآيات فضل الذكر على الصدقة ما صدقة أفضل من ذكر الله طس الحديث أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث ابن عباس رضي الله عنهما كذا في الجامع الصغير للسيوطي وذكره المنذري في الترغيب والترهيب في الذكر معزوا إلى الطبراني من حديث أبي موسى وحسنه وقال الهيثمي في حديث ابن عباس أن رجاله موثوقون وفيه دليل على أن ذكر الله سبحانه وتعالى لا يفضل عليه شيء من جميع أنواع الصدقة لأن قوله صدقه نكرة في سياق نفى فتعم كل صدقة ومقتضاه أن لا توجد صدقه كائنة ما كانت افضل من ذكر الله فتكون إما مساوية له أو دونه والذكر قد يكون مثلها أو افضل منها ولا يكون دونها استشكال بعض أهل العلم لهذا الحديث والجواب عنه وقد أورد بعض أهل العلم أشكالا هاهنا فقال أن صدقة المال يتعدى

نفعها إلى الغير بخلاف الذكر والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر وأجاب الحليمي عن ذلك بأنه لم يكن المراد من هذا الذكر ذكر اللسان وحده بل المراد ذكر اللسان والقلب جميعا وذكر القلب أفضل لأنه يردع عن التقصير في الطاعات وعن المعاصي والسيئات وذكر مثل هذا الجواب البيهقي في شعب الإيمان وأقره ونقل عن النووي أن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من شغل جارحة واحدة وكذلك شغل ثلاث جوارح أفضل من شغل جارحتين وكل ما زاد فهو أفضل وسيأتي تمام الكلام على هذا في شرح الحديث الذي يليه وسنذكر إن شاء الله تعالى ما ينبغي الاعتماد عليه أفضل الأعمال ذكر الله ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا العدو فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله أ ت مس الحديث أخرجه أحمد والترمذي والحاكم في المستدرك كما قال المصنف رحمه الله وأخرجه أيضا مالك في الموطأ وابن ماجه والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وابن شاهين في الترغيب في الذكر كلهم من حديث أبي الدرداء إلا أن مالكا في الموطأ وقفه عليه وقد صححه الحاكم في المستدرك وغيره وأخرجه أحمد أيضا من حديث معاذ قال المنذري بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا وقال في حديث أبي الدرداء أن أحمد أخرجه بإسناد حسن وقال الهيثمي في حديث أبي الدرداء إسناده حسن وقال في حديث معاذ رجاله رجال الصحيح إلا أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس لم يدرك معاذا قوله بخير أعمالكم فيه دليل على أن الذكر خير الأعمال على العموم كما يدل عليه إضافة الجمع إلى الضمير وكذلك إضافة أزكى وأرفع إلى ضمير

الأعمال والزكا النماء والبركة فأفاد كل ذلك أن الذكر أفضل عند الله سبحانه وتعالى من جميع الأعمال التي يعملها العباد وأنه أكثرها نماء وبركة وأرفعها درجة وفي هذا ترغيب عظيم فإنه يدخل تحت الأعمال كل عمل يعمله العبد كائنا ما كان قوله وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وفي نسخة من إنفاق الذهب والورق وفي نسخة الجمع بين الفضة الورق والورق هي الدراهم المضروبة فعطفه على الفضة من عطف الخاص على العام وعطف إنفاق الذهب والفضة على ما تقدم من عموم الأعمال مع كونه مندرجا تحتها يدل على فضيلة زائدة على سائر الأعمال كما هو النكتة المذكورة في عطف الخاص على العام وهكذا قوله وخير لكم من أن تلقوا العدو وهذا من عطف الخاص على العام لكون الجهاد من الأعمال الفاضلة وطبقته مرتفعة على كثير من الأعمال وفي تخصيص هذين العملين الفاضلين بالذكر أيضا بعد تعميم جميع الأعمال زيادة تأكيد لما دل عليه ألا أنبئكم بخير أعمالكم وما بعده من فضيلة الذكر على كل الأعمال ومبالغة في النداء بفضله عليها ودفع لما يظن من أن المراد بالأعمال هاهنا غير ما هو متناه في الفضيلة وارتفاع الدرجة وهو الجهاد والصدقة بما هو محبب إلى قلوب العباد فوق كل نوع من أنواع المال وهو المذهب والفضة استشكال بعض أهل العلم تفضيل الذكر على الجهاد وقد استشكل بعض أهل العلم تفضيل الذكر على الصدقة وقد قدمت في شرح الحديث المتقدم على هذا طرفا من ذلك واستشكل بعضهم تفضيل الذكر على الجهاد مع ورود الأدلة الصحيحة أنه أفضل الأعمال وقد جمع بعض أهل العلم بين ما ورد من الأحاديث المشتملة على تفضيل بعض الأعمال على بعض آخر وما ورد منها مما يدل على تفضيل البعض المفضل عليه بأن ذلك باعتبار الأشخاص والأحوال فمن كان مطيقا للجهاد قوي الأثر فيه أفضل أعماله الجهاد ومن كان كثير المال فأفضل أعماله الصدقة ومن كان غير متصف بأحد الصفتين المذكورتين فأفضل أعماله الذكر والصلاة ونحو ذلك ولكنه

يدفع هذا تصريحه صلى الله عليه وسلم بأفضلية الذكر على الجهاد نفسه في هذا الحديث وفي الأحاديث الآخرة كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا قال قلت يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله كثيرا أفضل منه درجة قال الترمذي بعد إخراجه حديث غريب وكحديث عبد الله بن عمرو مرفوعا وفيه ولا شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى يتقطع أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي من رواية سعيد بن سنان وسيأتي قريبا حديث إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ومما يدل على أن الذكر أفضل من الصدقة ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن من حديث ثوبان قال لما نزلت والذين يكنزون الذهب والفضة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه أنزلت في الذهب والفضة لو علمنا أي المال خير فنتخذه فقال أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه ومما يدل على ذلك الحديث الآتي في الرجل الذي في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله ومما يدل على ذلك في الجهاد والصدقة وغير ذلك ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله قال أي المجاهدين أعظم أجرا قال أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا قال فأي الصالحين أعظم أجرا قال أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فإن قلت قد يرشد إلى الجمع المذكور ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث

ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عجز منكم عن الليل أن يكابده
وبخل بالمال أن ينفقه وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر من ذكر الله قلت ليس فيه إلا أن العاجز عن هذه الأمور المذكورة يستكثر من الذكر وليس فيه أنها أفضل من الذكر على أن في إسناد هذا الحديث أبا يحيى القتات وهو ضعيف مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كالحي والميت مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت خ م الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي موسى رضي الله عنه وهذا اللفظ الذي ذكره المصنبف رحمه الله هو لفظ البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه وذكره مسلم في كتاب الصلاة من صحيحه ولفظه مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وفي هذا التمثيل منقبة للذاكر جليلة وفضيلة له نبيلة وأنه بما يقع منه من ذكر الله عز وجل في حياة ذاتية وروحية لما يغشاه من الأنوار ويصل إليه من الأجور كما أن التارك للذكر وإن كان في حياة ذاتية فليس لها اعتبار بل هو شبيه بالأموات الذين لا يفيض عليهم بشيء مما يفيض على الأحياء المشغولين بالطاعة لله عز وجل ومثل ما في هذا الحديث قوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه والمعنى تشبيه الكافر بالميت وتشبيه الهداية إلى الإسلام بالحياة لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده م الحديث أخرجه مسلم كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة وأبي سعيد معا رضي الله عنهما وأخرجه أيضا من حديثهما معا أبو داود

الطيالسي وأحمد في المسند وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي وابن حبان وأخرجه أيضا من حديثهما معا ابن أبي شيبة وابن شاهين في الترغيب في الذكر وقال حسن صحيح بلفظ ما جلس قوم مسلمون مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده وأخرجه الترمذي في الدعوات من حديثهما معا بلفظ ما قعد قوم يذكرون الله الخ وفي الباب أحاديث منها ما أخرجه أحمد في المسند وأبو يعلى الموصلي والطبراني في الأوسط والضياء في المختارة من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ ما جلس قوم يذكرون الله إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم وما أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من حديث سهل ابن الحنظلية بلفظ ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتى يقال لهم قوموا فقد غفرت لكم ذنوبكم وبدلت سيئاتكم حسنات وأخرجه البيهقي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الحديث بطوله وأخرجه البزار من حديث أنس رضي الله عنه وأخرج مسلم والترمذي والنسائي من حديث معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم فقالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا قال آلله ما أجلسكم إلا ذلك قالوا آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال أما أنى لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة وفي الباب أحاديث قوله حفتهم الملائكة أي أحدقت بهم واستدارت عليهم ومعنى غشيتهم الرحمة سترتهم أخذا من التغشي بالثوب والسكينة هي الطمأنينة والوقار وقيل المراد بالسكينة الرحمة ويرد ذلك عطفها على قوله غشيتهم الرحمة

ومعنى ذكر الله عز وجل فيمن عنده أنه يذكرهم عند ملائكته حسبما قدمنا بيانه وفي الحديث ترغيب عظيم للاجتماع على الذكر
فإن هذه الأربع الخصائص في كل واحدة منها على انفرادها ما يثير رغبة الراغبين ويقوي عزم الصالحين على ذكر رب العالمين ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث مرات مص ط الحديث أخرجه الطبراني في الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث معاذ رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند والطبراني أيضا في الأوسط وقال منذري في الترغيب بعد أن عزاه إلى الطبراني في الصغير الأوسط ورجالهما رجال الصحيح وجعلهما عنده من حديث جابر بهذا اللفظ فظهر بهذا أن هذا المتن حديثان لا حديث واحد وقال الهيثمي في حديث معاذ رجاله رجال الصحيح قال وقد رواه الطبراني عن جابر بسند رجاله رجال الصحيح انتهى وفي الحديث دليل على أن الذكر أفضل وقد قدمنا الكلام على ذلك لو أن رجلا في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل ط الحديث أخرجه الطبراني في الكبير كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي موسى رضي الله عنه وأخرجه من حديثه أيضا الطبراني في الأوسط وابن شاهين في الترغيب في الذكر وفي إسناده جابر بن الولاع قال النسائي منكر الحديث انتهى ولكنه قد روى له مسلم فلا وجه لإعلال الحديث به وقد حسن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب في الذكر قال الهيثمي رجاله وثقوا انتهى وقال المناوي لكن صحح بعضهم وقفه وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قوله في حجره دراهم الحجر بفتح الحاء المهملة

وكسرها قيل هو طرف الثوب وقيل هو طرف كل شيء وقال في القاموس أنه حضن الإنسان وهذا أنسب بمعنى الحديث وفي الحديث دليل على أن الذكر أفضل من الصدقة وقد تقدم البحث عن ذلك إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر ت الحديث أخرجه الترمذي كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه محمد في المسند والبيهقي في الشعب وقال الترمذي حسن غريب وقال المناوي وشواهده ترتقي إلى الصحة وأخرج الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال مجالس العلم وفي إسناده رجل مجهول وأخرج الترمذي وقال غريب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال المساجد قيل وما الرتع قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني والبزار والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا وأين رياض الجنة قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروا أنفسكم من كان يريد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله ينزل العبد عنده حيث أنزله تعالى في نفسه قال المنذري والحديث حسن انتهى ولا مخالفة بين هذه الأحاديث فرياض الجنة تطلق على حلق الذكر ومجالس العلم والمساجد ولا مانع من ذلك انتهى وأما قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قيل وما الرتع قال سبحان الله الخ ففيه ما

يدل على أن هذا الذكر له مزية تشرف على سائر الأذكار ولا ينافي ما يدل عليه قوله حلق الذكر من العموم ولا ينافي أيضا ما في الحديث الآخر حيث قال مجالس العلم والحاصل أن الجماعة المشتغلين بذكر الله عز وجل أي ذكر كان والمشتغلين بالعلم النافع وهو علم الكتاب والسنة وما يتوصل به إليهما هم يرتعون في رياض الجنة قوله إذا مررتم برياض الجنة جمع روضة وهي الموضع المشتمل على النبات وإنما شبه حلق الذكر بها وشبه الذكر بالرتع في الخصب قوله حلق الذكر بكسر الحاء المهملة وفتح اللام جمع حلقة بفتح الحاء وسكون اللام وكذا في كثير من النسخ من كتب اللغة وقال الجوهري جمع حلقة حلق بفتح الحاء والمراد بالحلقة جماعة من الناس يستديرون كحلقة الباب وغيره ما من آدمي إلا لقلبه بيتان في أحدهما الملك وفي الآخر الشيطان فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره في قلبه ووسوس له مص الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عبد الله ابن شقيق ورجال إسناده رجال الصحيح وفي معناه ما أخرجه البخاري تعليقا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس له وكذا ما أخرجه ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والبيهقي من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان واضع خطمه على قلب أبن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه والمراد بقوله خطمه فمه وهو بفتح الخاء وسكون الطاء المهملة قوله خنس بفتح الخاء المعجمة والنون أي تأخر وخرج من المكان الذي قد كان فيه وهو قلب الآدمي قوله منقاره المراد به هاهنا فمه

شبهه بمنقار الطائر في لقطه لما يلتقط به من هاهنا بسرعة وخفة من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة ت انقلب بأجر حجة وعمرة ط الحديث أخرجه الترمذي والطبراني كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه قال الترمذي حسن غريب واللفظ الذي ذكره المصنف معزوا إلى الطبراني هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة قال المنذري وإسناده جيد وأخرج أحمد في المسند وابن جرير وصححه والبيهقي في الشعب من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ومن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له الله ارحمه وفي تكرير قوله تامة تامة تامة تأكيد لرفع توهم أنه لم يرد الحجة والعمرة على التمام وهو تأكيد راجع إلى الحجة والعمرة فكأنه قال كأجر حجة تامة تامة تامة وعمرة تامة تامة تامة وهذا الأجر المذكور يحصل بمجموع ما اشتمل عليه الحديث من صلاة الفجر في جماعة ثم القعود للذكر حتى تطلع الشمس ثم صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين ز الحديث أخرجه البزار في مسنده كما قال المصنف رحمه الله ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله في الأوسط ثقات وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في

الشعب من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين وذاكر الله في الغافلين كالمصباح في البيت المظلم وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات وذاكر الله في الغافلين يعرف مقعده في الجنة وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وعجمي وفي إسناده عمران بن مسلم القصير قال البخاري منكر الحديث وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف ولعله يشير إلى كون في إسناده هذا الرجل قوله ذاكر الله في الغافلين الخ الذاكر بين جماعة لا يذكرون الله كمن يجاهد الكفار بعد فرار أصحابه من الزحف وهذه فضيلة جليلة ومنقبة نبيلة ما من قوم جلسوا مجلسا وتفرقوا عنه ولم يذكروا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة مس دت حب الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو داود والترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند وابن السني في عمل اليوم والليلة والبيهقي في الشعب وحسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقال النووي في الأذكار والرياض إسناده صحيح وفي الباب عن أبي هريرة أيضا عند أبي داود والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم قال الترمذي حديث حسن وأخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي وأخرجه أيضا أحمد بإسناد صحيح والنسائي وابن حبان وصححه وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما من قوم اجتمعوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة قال المنذري ورجال الطبراني محتج بهم في الصحيح وأخرجه أحمد في المسند من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ ما من قوم جلسوا مجلسا لا يذكرون الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة قوله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار أي مثلها في النتن وفي هذا التشبيه غاية التنفير عن ترك ذكر الله سبحانه وتعالى في المجالس وأنه مما ينبغي لكل أحد أن لا يجلس فيه ولا يلابس أهله وأن يفر عنه كما يفر عن جيفة الحمار فإن كل عاقل يفر عنها ولا يقعد عندها قوله وكان عليهم حسرة يوم القيامة أي بسبب تفريطهم في ذكر الله سبحانه وتعالى وذلك لما يظهر لهم في موقف الحساب من أجور العامرين لمجالسهم بذكر الله سبحانه وتعالى فينبغي لمن حضر مجالس الغفلة أن لا يخليها عن شيء من ذكر الله وأن يأتي عند القيام منها بكفارة المجلس التي أرشد إليها صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود والحاكم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يقوم من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال رجل إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى قال ذلك كفارة لما يكون في المجلس وأخرجه أيضا النسائي وابن أبي الدنيا والبيهقي من حديثها وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه أبو داود من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه وأخرجه النسائي والطبراني ورجالهما رجال الصحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأخرجه النسائي والحاكم وصححه من حديث رافع ابن خديج رضي الله عنه وأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه من حيث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما وسيذكر المصنف رحمه الله هذا الحديث في الباب السابع إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم

والأظلة لذكر الله عز وجل مس
الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه وصححه الحاكم وقرره الذهبي في كتابه على المستدرك وأخرجه أيضا من حديثه الطبراني في الكبير قال الهيثمي رجال الطبراني موثقون وأخرجه أيضا ابن شاهين وقال حديث غريب صحيح قوله الذين يراعون الشمس أي يرصدون دخول الأوقات بهذه العلامات لأجل ذكر الله سبحانه وتعالى الذي يعتادونه في أوقات مخصوصة ومن ذلك ارتقاب طلوع الشمس لكراهة الصلاة في ذلك الوقت وما بعده وكذلك ارتقاب زوالها لدخول وقت الظهر وارتقاب اصفرارها لكراهة الصلاة في ذلك الوقت وما بعده وهكذا ارتقاب القمر لمعرفة ساعات الليل لمن يعتاد التهجد والذكر وهكذا ارتقاب النجوم لمعرفة هذه الساعات لمن هو كذلك وهكذا ارتقاب الأظلة لمعرفة وقت الظهر ووقت العصر فقد ثبت تقدير ذلك أي تقدير صلاة الظهر ووقت صلاة العصر بمقدار من الظل كما في الأحاديث الصحيحة وكل هذه الأمور هي من ذكر الله ولهذا قال سبحانه و ولذكر الله أكبر ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها ط الحديث أخرجه الطبراني في الكبير كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث معاذ رضي الله عنه قال الهيثمي ورجاله ثقات وفي شيخ الطبراني محمد بن إبراهيم الصوري خلاف وأخرجه أيضا البيهقي في الشعب قال المنذري في الترغيب والترهيب أنه رواه البيهقي بأسانيد أحدها جيد قوله ليس يتحسر أهل الجنة أي إذا رأوا ما أعد الله لعباده الذاكرين له من الأجور الموفرة على الذكر كان ذلك حسرة في قلوب التاركين له وفي كونهم لا

يتحسرون إلا على هذه الخصلة أعظم دليل على أنها عند الله بمكان عظيم وأن أجرها فوق كل أجر أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقولوا مجنون حب الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في مسنده وأبو يعلى الموصلي في مسنده والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وقال الهيثمي بعد أن عزاه إلى أحمد وأبي يعلي أن في إسناده دراجا ضعفه جمع وبقية رجال مسند أحمد ثقات انتهى وقد حسنه الحافظ ابن حجر في أماليه قوله حتى يقولوا مجنون وفي لفظ أكثر ذكر الله حتى يقال إنك مجنون قيل المراد هنا حتى يقول المنافقون بدليل ما أخرجه أحمد في الزهد والضياء في المختارة والبيهقي في الشعب من حديث أبي الجوزاء مرسلا عنه صلى الله عليه وسلم أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراءون وليس في هذا ما يقتضي قصر المقالة في حديث الباب على المنافقين فينبغي تفسير ضمير حتى يقولوا بما هو أعم من ذلك أي حتى يقول الغافلون عن الذكر أو حتى يقول الذين لا رغبة لهم في الذكر ويدخل المنافقون في هذا دخولا أوليا وفي الحديث دليل على جواز الجهر بالذكر وقد تقدم حديث ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ويمكن أن يكون سبب نسبتهم الجنون إليه ما يرونه من إدامة الذكر وتحريك شفتيه به واضطراب بدنه من خوف من صار مشتغلا بذكره وهو الرب سبحانه فقد يظنون إذا رأوه كذلك أنه من الممسوسين المصابين بطرف من الجنون وكثيرا ما يرى من لا شغلة له بالطاعات أو من هو مشتغل بمعاصي الله يظهر السخرية بأهل الطاعات والاستهزاء بهم لأنه قد طبع على قلبه وصار في عداد المخذولين وقد وردت أحاديث تقتضي الاسرار بالذكر وأحاديث

تقتضي الجهر به والجمع بينهما أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فقد يكون الجهر أفضل إذا أمن الرياء وكان في الجهر تذكير للغافلين وتنشيط لهم إلى الاقتداء به وقد يكون الأسرار أفضل إذا كان الأمر بخلاف ذلك لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة د الحديث أخرجه أبو داود كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه قال العراقي إسناده حسن وتبعه في تحسين إسناده السيوطي وقال الهيثمي في إسناده محتسب أبو عامد وثقة ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات وأخرجه أيضا أبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة قوله حتى تطلع الشمس زاد في رواية ثم أصلي ركعتين قوله أربعة قال البيضاوي خص الأربعة بالنسبة لأن المفضل عليه مجموع أربعة أشياء ذكر الله والقعود له والاجتماع عليه والاستمرار به إلى الطلوع والغروب وخص بنى اسمعيل لشرفهم وانافتهم على غيرهم وقربهم منه ومزيد اهتمامه بحالهم قوله أحب إلي من أن أعتق أربعة ترك ههنا ذكر كون الأربعة من ولد اسمعيل استغنا عنه بما تقدم في الطرف الأول في رواية ثبوت من ولد إسمعيل بعد لفظ أربعة وفي رواية مكان أربعة لفظ رقبة من ولد إمسعيل وفي الحديث دليل على مزيد شرف الذكر في هذين الوقتين مع قوم يذكرون الله فإنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله منه بكل عضو منها عضوا من النار

إن الله أمر يحيى بن زكرياء أن يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات منها ذكر الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى ت حب الحديث أخرجه الترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث الحارث بن الحارث الأشعري رضي الله عنه وأخرجه من حديثه أحمد في المسند والبخاري في التاريخ والنسائي والحاكم في المستدرك وقد صححه الترمذي وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه والحديث طويل ولفظه إن الله أمر يحيى بن زكرياء بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وكأنه أبطأ عن تبليغهن فأوحى الله إلى عيسى أن يبلغهن أو تبلغهن فأتاه عيسى فقال له إنك أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن فأما أن تبلغهن أو بلغهن فقال له يا روح الله إني أخشى أن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرفات فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ملكه بذهب أو ورق ثم أسكنه دارا فقال له اعمل وارفع إلي عملك فجعل العبد يعمل ويرفع على غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك وإن الله تعالى خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا وآمركم بالصلاة وإذا أقمتم الصلاة فلا تلتفتوا فإن الله عز وجل ليقبل بوجهه إلى عبده ما لم يلتفت وآمركم بالصيام ومثل ذلك كمثل رجل معه صرة مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وآمركم بالصدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو

فشدوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال لهم هل لكم أن أفتدي نفسي فجعل يفدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه وآمركم بذكر الله كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ومن ادعى بدعوى الجاهلية فهو من جثى جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله انتهى قوله مسرعا كذلك في بعض النسخ وفي بعضها سراعا وهو الموافق للفظ الحديث الذي كتبناه ههنا قوله حتى إذا أتى على حصن حصين لعل المصنف رحمة الله أخذ تسمية كتابه الحصن الحصين الذي هو أصل هذا الكتاب من ههنا وفي الحديث دليل على أن الذكر يحرز صاحبه من الشيطان كما يحرز الحصن الحصين من لجأ إليه من العدو فالذاكر في أمان من تخبط الشيطان ووسوسته إليه وإضلاله إياه ومن سلم من الشيطان الرجيم فقد كفى من أخطر الخطرين وهما الشيطان والنفس
شكرا لك ولمرورك